سورة المؤمنون - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى} في السَّفينةِ أو منها {مُنزَلاً مُّبَارَكاً} أيْ إنزالاً أو موضعَ إنزالٍ يستتبعُ خيراً كثيراً. وقرئ: {مَنْزلاً} أي موضعَ نزولٍ {وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين} أُمر عليه السَّلامُ بأنْ يشفع دعاءه بما يُطابقه من ثنائه عزَّ وجلَّ توسُّلاً به إلى الإجابةِ. وإفرادُه عليه السَّلامُ بالأمر مع شركة الكلِّ في الاستواءِ والنَّجاةِ لإظهار فضله عليه السَّلامُ والإشعارِ بأنَّ في دُعائه وثنائِه مندوحةً عمَّا عداهُ.
{إِنَّ فِى ذَلِكَ} الذي ذُكر ممَّا فُعل له عليه السَّلامُ وبقومِه {لاَيَاتٍ} جليلةً يستدلُّ بها أُولو الأبصارِ ويعتبر بها ذَوُو الاعتبار {وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} إنْ مخفَّفةٌ من أنَّ واللامُ فارقةٌ بينها وبين النَّافيةِ. وضميرُ الشَّأنِ محذوفٌ أي وإنَّ الشَّأنَ كُنَّا مصيبين قومَ نوحٍ ببلاء عظيم وعقاب شديد أو مختبرين بهذه الآياتِ عبادَنا لننظر مَن يعتبرُ ويتذكَّر، كقولِه تعالى: {وَلَقَدْ تركناها ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ} أي من إهلاكِهم {قَرْنٍ ءَاخَرِينَ} هم عادٌ حسبما رُوي عن ابن عبِّاسٍ رضي الله عنهما وعليه أكثرُ المُفسِّرين وهو الأوفقُ لما هو المعهودُ في سائرِ السُّورِ الكريمةِ من إيراد قصَّتهم إثرَ قصَّةِ قومِ نوحٍ. وقيل: هم ثمودُ {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ} جُعلُوا موضعاً للإرسال كما في قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ} ونحوه لا غايةً له كما في مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ} للإيذانِ من أوَّلِ الأمر بأنَّ مَن أُرسل إليهم لم يأتِهم من غير مكانِهم بل إنَّما نشأَ فيما بين أظهرِهم كما ينبىءُ عنه قولُه تعالى: {رَسُولاً مّنْهُمْ} أي من جُملتهم نسباً فإنَّهما عليهما السَّلامُ كانا منهم. وأنْ في قولِه تعالى: {أَنِ اعبدوا الله} مفسِّرةٌ لأرسلنا لتضمُّنِه معنى القولِ أي قُلنا لهم على لسانِ الرَّسولِ: اعبدُوا الله تعالى. وقولُه تعالى: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} تعليلٌ للعبادة المأمور بها أو للأمرِ بها أو لوجوب الامتثال به {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أي عذابَه الذي يستدعيه ما أنتُم عليه من الشِّركِ والمعاصي. والكلامُ في العطفِ كالذي مرَّ في قصَّةِ نوحٍ عليه السَّلامُ.


{وَقَالَ الملا مِن قَوْمِهِ} حكايةٌ لقولهم الباطل إثرَ حكاية القول الحقِّ الذي ينطق به حكايةُ إرسال الرَّسولِ بطريق العطفِ على أنَّ المرادَ حكايةُ مطلقِ تكذيبهم له عليه السَّلامُ إجمالاً لا حكايةُ ما جرى بينه عليه السَّلامُ وبينهم من المُحاورةِ والمُقاولةِ تفصيلاً حتَّى يُحكى بطريقِ الاستئناف المبنيِّ على السُّؤال كما ينبىءُ عنه ما سيأتي من حكايةِ سائر الأُمم أي وقال الأشرافُ من قومِه {الذين كَفَرُواْ} في محلِّ الرَّفعِ على أنَّه صفةٌ للملأُ وُصفوا بذلك ذمًّا لهم وتنبيهاً على غلوِّهم في الكُفرِ. وتأخيرُه عن مِن قومِه لعطفِ قوله تعالى: {وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الأخرة} وما عُطف عليه على الصِّلةِ الأُولى أي كذَّبُوا بلقاء ما فيها من الحساب والثَّوابِ والعقاب أو بمعادِهم إلى الحياة الثَّانيةِ بالبعث {وأترفناهم} ونعَّمناهم {فِى الحياة الدنيا} بكثرةِ الأموالِ والأولادِ أي قالوا لأعقابهم مضلِّين لهم: {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} أي في الصِّفاتِ والأحوالِ، وإيثارُ مثلكم على مثلنا للمبالغة في تهوينِ أمرِه عليه السَّلامُ وتوهينِه {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} تقريرٌ للمماثلة. وما خبريةٌ. والعائدُ إلى الثَّاني منصوبٌ محذوفٌ أو مجرورٌ وقد حُذف مع الجارِّ لدلالةِ ما قبله عليه.
{وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ} أي فيما ذُكر من الأحوالِ والصِّفات أي إنِ امتثلتُم بأوامرِه {إِنَّكُمْ إِذاً} أي على تقديرِ الاتباع {لخاسرون} عقولَهم ومغبونون في آرائهم حيثُ أذللتُم أنفسَكم أي انظر كيف جعلُوا اتباعَ الرَّسولِ الحقِّ الذي يوصِّلُهم إلى سعادةِ الدَّارينِ خُسراناً دُون عبادةِ الأصنامِ التي لا خُسرانَ وراءها قاتلهم الله أنَّى يُؤفكون. وإذاً واقعٌ بين اسمِ إنَّ وخبرِها لتأكيد مضمون الشَّرطِ. والجملةُ جوابٌ لقسمٍ محذوفٍ قبل إنِ الشَّرطيةِ المصدَّرةِ باللام الموطئةِ. أي وبالله لئن أطعتمُ بشراً مثلَكم إنَّكم إذاً لخاسرونَ.
{أَيَعِدُكُمْ} استئنافٌ مسوق لتقرير ما قبله من اتِّباعِه عليه السَّلامُ بإنكار وقوع ما يدعُوهم إلى الإيمان واستبعاده. {أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ} بكسر الميمِ، من ماتَ يَماتُ. وقرئ بضمِّها من ماتَ يموتُ. {وَكُنتُمْ تُرَاباً وعظاما} نَخِرةً مجرَّدةً عن اللُّحوم والأعصابِ أي كان بعضُ أجزائِكم من اللَّحم ونظائرِه تُراباً، وبعضُها عظاماً. وتقديمُ التُّراب لعراقتِه في الاستبعادِ وانقلابِه من الأجزاءِ الباديةِ. أو كان متقدِّموكم تُراباً صِرفاً ومتأخِّروكم عظاماً. وقوله تعالى: {إِنَّكُمْ} تأكيد للأوَّلِ لطول الفصلِ بينه وبين خبرِه الذي هو قولُه تعالى: {مُّخْرَجُونَ} أي من القبورِ أحياءً كما كنتُم. وقيل: أنَّكم مخرجون مبتدأٌ وإذا مِتُم خبرُه على معنى إخراجُكم إذا متُم ثم أخبر بالجملة على أنَّكم. وقيل: رُفع أنَّكم مخرجون بفعلٍ هو جزاءُ الشَّرطِ كأنَّه قيل: إذا مِتُم وقعَ إخراجُكم ثم أُوقعتْ الجملةُ الشَّرطيةُ خبراً عن أنَّكم. والذي تقتضيهِ جزالةُ النَّظمِ الكريمِ هو الأوَّلُ. وقرئ: {أيعدكم} إذَا متم الخ.


{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} تكريرٌ لتأكيد البُعدِ أي بُعدِ الوقوع أو الصِّحةِ. {لِمَا تُوعَدُونَ} وقيل: اللامُ لبيان المستبعَدِ ما هو كما في {هَيْتَ لَكَ} كأنَّهم لما صوَّتوا بكلمةِ الاستبعادِ قيل: لِمَ هذا الاستبعادُ؟ فقيل: لما تُوعدون. وقيل: هيهاتَ بمعنى البُعدِ وهو مبتدأٌ خبرُه لما تُوعدون. وقرئ بالفتحِ مُنوَّناً للتَّنكيرِ، وبالضَّمِّ منوَّناً على أنَّه جمعُ هَيْهةٍ، وغيرَ منوَّن تشبيهاً بقبلُ، وبالكسرِ على الوجهينِ، وبالسُّكون على لفظِ الوقفِ، وإبدالِ التَّاء هاءً.
{إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} أصله إنْ الحياةُ إلاَّ حياتُنا. فأُقيم الضَّميرُ مُقامَ الأُولى لدلالة الثَّانيةِ عليها حَذَراً من التَّكرارِ، وإشعاراً بإغنائِها عن التَّصريحِ كما في: هي النَّفسُ تتحملُ ما حُمِّلتْ. وهي العربُ تقول ما شاءتْ وحيثُ كان الضَّميرُ بمعنى الحياةِ للدلالة على الجنسِ كانتْ إنِ النَّافيةُ بمنزلةِ لا النَّافيةِ للجنسِ. وقولُه تعالى: {نَمُوتُ وَنَحْيَا} جملةٌ مفسِّرةٌ لما ادَّعوه مِن أنَّ الحياةَ هي الدُّنيا أي يموتُ بعضُنا أو يُولد بعضٌ إلى انقراضِ العصرِ {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} بعد الموتِ.
{إِنْ هُوَ} أي ما هُو {إِلاَّ رَجُلٌ افترى على الله كَذِباً} فيما يدَّعيه من إرسالِه وفيما يَعدُنا من أنَّ الله يبعثُنا {وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدِّقين فيما يقولُه.
{قَالَ} أي هودُ عليه السَّلامُ عند يأسِه من إيمانهم بعد ما سلكَ في دعوتِهم كلَّ مسلكٍ منصرفاً إلى الله عَزَّ وجَلَّ {رَبّ انصرنى} وانتقم لي منهم {بِمَا كَذَّبُونِ} أي بسببِ تكذيبهم أيَّاي وإصرارِهم عليه.
{قَالَ} تعالى إجابةً لدعائِه وعدةً بالقَبُول {عَمَّا قَلِيلٍ} أي عن زمانٍ قليلٍ وما مزيدةٌ بين الجارِّ والمجرورِ لتأكيدِ معنى القلَّةِ كما زِيدتْ في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله} أو نكرةٌ موصوفةٌ أي عن شيءٍ قليلٍ {لَّيُصْبِحُنَّ نادمين} على ما فعلوه من التَّكذيب وذلك عند معاينتِهم للعذابِ.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} لعلَّهم حين أصابتهم الرِّيحُ العقيمُ أُصيبوا في تضاعيفها بصيحةٍ هائلةٍ أيضاً. وقد رُوي أنَّ شدَّادَ بنَ عادٍ حين تمَّ بناءُ إرمَ سار إليها بأهلِه فلمَّا دنا منها بعثَ الله عليهم صيحةً من السَّماءِ فهلكُوا. وقيل: الصَّيحةُ نفسُ العذابِ والموتِ. وقيل: هي العذابُ المصطَلِمُ قال قائلُهم:
صاحَ الزَّمانُ بآلِ بَرمكَ صيحة *** خَرُّوا لشدَّتِها عَلَى الأذقانِ
{بالحق} متعلِّقٌ بالأخذ أي بالأمر الثَّابتِ الذي لا دفاعَ له أو بالعدل من الله تعالى أو بالوعد الصِّدقِ {فجعلناهم غُثَاء} أي كغُثاءِ السَّيلِ وهو حَميلُه {فَبُعْداً لّلْقَوْمِ الظالمين} إخبار أو دعاء وبُعداً من المصادر التي لا يكادُ يُستعمل ناصبُها. والمعنى بعدُوا بُعداً، أي هلكُوا. واللامُ لبيانِ مَن قيلَ له: بُعداً ووضعُ الظَّاهر موضعَ الضَّميرِ للتَّعليلِ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8